الحمار الذي أراد ان يهرب من الذبحكان ذلك اليوم هو أول أيام العيد .. شاهد الحمار صاحبه أبا محمود يتوجه إلى الحضيرة وهو يحمل سكيناً لامعة كبيرة. شعر بالخوف، فارتجف وانتصبت أذناه الطويلتان ، فرفس الأرض بقوائمه، وانطلق هارباً.
في الطريق ، استوقفه الكلب الذي نبح :
- ماذا جرى يا ذا الأذنين .. لماذا تركض وتتلفت خلفك؟
- لقد جن صاحبي أبو محمود .. إنه يريد ذبحي؟
- قل غير هذا يا ذا الأذنين .. ولماذا يذبحك أبو محمود؟!
- لا أدري .. لا أدري
وتابع الحمار ركضه.. فالتقى بالبقرة التي كانت ترعى العشب قرب الساقية ، فصاحت به :
- ماذا جرى أيها الحمار. أراك مرعوباً وخائفاً ؟!
- أبو محمود .. أبو محمود أيتها البقرة .. إنه يطاردني وبيده سكين حادة بيضاء!
هزّت البقرة رأسها غير مصدقة .. في حين تابع الحمار ركضه المجنون في حواري القرية.. فمرّ بالحصان الذي كان يمارس رياضته الصباحية في التقلب على العشب . صاح الحصان :
- مهلاً يا أبا الذكاء!.. ما لك تجري وكأن الموت يطاردك؟!
- بل إنه يطاردني حقيقة.. أبو محمود صاحبي يريد ذبحي .. إنه ورائي .. وداعاً.
وتابع الحمار ركضه.. فصادفه الديك الذي كان يحرس دجاجته وصيصانه .. فصاح :
- لماذا تركض هكذا أيها الحمار، هل هو الحصان قد غضب منك مرة أخرى؟
- لا .. ليس الحصان هذه المرة.. بل الموت .. الموت يطاردني يا صاحبي!!
هزّ الديك رأسه . ولم يكلف نفسه حتى عناء التفكير في كلام الحمار. فهو يعرف عوائد طويل الأذنين وتصرفاته الشاذة التي يدفعه إليها غباؤه.. فلا غرابة .. إذن فيما قال . وتابع الحمار عدوه . فقطع القرية صاعداً إلى تخومها.. وعندما جاوزها ، صادف في أول السهل ثعلباً.توقف الحمار ليلتقط أنفاسه، ثم سأل الثعلب:
- أيّ طريق تؤدي إلى الغابة أيها الصديق؟
أطرق الثعلب لحظات، ثم رع رأسه وصاح :
- أوه .. لا شك أنك ضللت طريقك أيها الصديق.. فالغابة في غير ما تتجه.. الغابة بعيدة جدّاً
توسل الحمار:
- أين هي أيها الصديق ؟
قال الثعلب :
- لن أدلكَ ما لم أعرف سبب ذهابك إليها.
قال الحمار :
- أنا ذاهب إليها هرباً من الموت.. فصاحبي يريد ذبح
رغم أنني لم اخطئ معه أو أقصر يوماً في واجباتي نحوه.
ابتسم الثعلب.. وفهم بخبرته الطويلة أيّ غباء مضحك ذلك الذي يتمتع به الحمار.. لذلك تحسس معدته الخاوية وقال بخبث:
- سأقودك إلى الغابة رغم ما بي من تعب .. فمروءتي لا تسمح لي بالامتناع عن مساعدة ذوي الحاجة.. إنها نقطة ضعفي التي أعترف بها وايضاً افتخر !
* * *
وعند الظهر.. وفي الوقت الذي كان فيه أبو محمود وعائلته يتحلقون حول مائدة الغذاء التي ضمت خروفاً مشوياً ذبحه ابو محمود في الصباح اكراماً للعيد، كانت مجموعة من الثعالب تحتفل بدورها بالعيد، وتتحلق حول مائدة ضمّت حماراً غبياً ، كان لحمه نيئاً وقاسياً ، ولكنه في عرف الثعالب طريٌّ ولذيذ.
* * *